الجمعة، 28 مايو 2010

الخليج "الفارسي" .. والمالكي .. والملوخية !

بقلم : معتز شكري

هذه موضوعات ثلاثة ربما تبدو متباعدة ، ولكن سيرى القاريء أنها يربطها جميعا خيط واحد.

(1)

صادرت إيران مؤخرا كل الكتب التي عرضتها الأجنحة المشاركة في معرض طهران الدولي للكتاب ، والتي حملت في عناوينها كلمة الخليج "العربي" ، كما أغلقت بعض الأجنحة للسبب نفسه. وترى إيران أن هذا من قبيل التزوير العلمي والتاريخي لأن الصحيح أن يقال "الخليج الفارسي" وليس "العربي". وهذا الموقف من النظام الإيراني قديم ومتكرر ، وهو موقف متصلب لا يعكس أي ضرورة ، كما أنه يؤكد أن ذلك النظام لا يرى غير نفسه ، وليس لديه أي احترام أو استيعاب لأية آراء أخرى ، أو وجهات نظر أخرى.

أنا أفهم أن تصدر إيران كل أطالسها وخرائطها وكتبها المدرسية وإصداراتها المختلفة وفيها عبارة "الخليج الفارسي" ، فهذا من حقها. ولكن ليس من حقها أن تفرض ذلك على الدول العربية ، التي اعتادت في العقود الأخيرة على استعمال عبارة "الخليج العربي" ، من باب إعادة الاعتبار ، لأن عددا من البلدان العربية تطل على الخليج نفسه ، ناهيك عن عرب الأحواز في إقليم (عربستان) الذين يشاطئون أجزاء من الخليج من ناحية الشرق من داخل إيران نفسها ، وهم – بغض النظر عن كونهم (شيعة) من حيث المذهب الديني – "عرب" أقحاح من بني كعب وغيرها من حيث العرق والعنصر (وهم بالمناسبة يعانون اضطهادا شديدا في إيران وحملات لمسخ الهوية والإدماج القسري والتفريس).ومسألة أن جامعة الدول العربية لا تفعل لهم شيئا منذ نشأتها 1945 وبالرغم من أنهم جرى احتلالهم وضمهم لإيران منذ 1925 - ولو من قبيل المؤازرة الإنشائية والبلاغية - فأمر آخر.

ثم إن عبارة (الخليج الفارسي) أو the Persian Gulf التي نجدها في الخرائط الغربية ليس سببها أن الخليج (فارسي) بالكامل ، وإنما هي تسمية قديمة أطلقها الغرب باعتبار أن فارس – من الناحية الزمنية البحتة – حضارة أقدم من حضارة العرب ، وهو ما لا ننكره بالطبع ، ولكن المقصود أن التسمية غربية ليس فيها فضل لإيران ، ومن حق العرب – في المقابل – أن يعيدوا الاعتبار للخليج الذي تطل عليه أيضا بلدان عربية كثيرة ، ولو على الأقل فيما تصدره البلدان العربية من كتب ودراسات وخرائط. وإلا فإن إيران كأنها تحكم على نفسها أنها ترى بعين واحدة فقط تدرك بها وجودها على الخليج بينما لا ترى عينها الأخرى أي وجود للعرب هناك أو تعتبرهم "فراغا" !

والذي يثبت أن العرب ليست فيهم مثل هذه النزعة العنصرية المتشددة أنهم كانوا حتى العقود الخمسة أو الستة الأخيرة فقط يستعملون عبارة (الخليج الفارسي) بلا تحفظ أو حساسيات بالرغم من وجودهم هناك من أقدم العصور ، قبل أن يشرعوا في استخدام كلمة (الخليج العربي) بتأثير المد القومي ولاسيما في العهد الناصري.

بل إنه من الطريف أن نلاحظ أن الرئيس جمال عبد الناصر نفسه في خطابه الشهير بمناسبة تأميم قناة السويس – وهو من أشهر خطاباته وأكثرها إذاعة وبثا حتى الآن – استعمل كلمة (الخليج الفارسي) ! وذلك عندما قال بالنص : "إننا نشعر بهذا الخطر (يقصد الخطر الصهيوني) ، وسندافع عن قوميتنا ، كلنا سندافع عن عروبتنا ، كلنا سنعمل حتى يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي". ولمن يريد التأكد بنفسه عليه أن يقرأ نص الخطاب كما أصدرته وزارة التربية والتعليم المصرية-إدارة الشئون العامة - بعنوان (القناة لنا) سنة 1956 ، أو يستمع إلى الشريط الصوتي للخطاب.

وتفسير ذلك بسيط وهو أنه في تلك الفترة لم تكن أفكار القومية العربية قد تبلورت بشكل كامل بحيث صبغت كل مفردات السياسة المصرية والوطنية العربية ، ولم يكن العرب ولا مصر ولا عبد الناصر يجدون وقتها حرجا من استخدام العبارة الشائعة جغرافيا من خلال الترجمة وهي "الخليج الفارسي" !

ولو أنني مسئول الآن عن معرض كتب في مصر أو أي بلد عربي لما صادرت كتب إيران التي تحمل عنوان (الخليج الفارسي) ، وذلك لكي ألقنهم درسا أمام العالم كله في التسامح ، وأثبت لهم أن العرب الذين ورثوا ضمن ما ورثوا حضارة الفرس القديمة وبنوا حضارة أعظم منها إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا أكثر قبولا للآخر وتسامحا معه !

(يمكن للقاريء الكريم الرجوع لمقال لي في هذا الموقع الأغر نفسه بعنوان "سماحة الإسلام وقصة العشرة في البصرة").

والذي كنت أفضله لإيران – لكي تثبت أنها منفتحة على الآخرين ولاسيما العرب وهم من بين أقرب وأهم جيرانها وأنها لا تنظر إليهم باستعلاء وأنها تقبل الآخر وتستوعب اختلافه – أن تترك هذه الكتب والإصدارات لأنها على مسئولية أصحابها ، ثم لتتحكم هي كما تريد في إصداراتها ، ولاسيما أن معارض الكتب الدولية إنما تهدف في المقام الأول إلى تعرف الناس بعضهم على بعض والاطلاع على ما يكتبه الآخرون وليس بالضرورة يرضيني أو يتفق معي ، حتى على ما يصدره خصمي أو عدوي ، والعلم والمعرفة والقراءة والتعارف جميعها قيم إسلامية فضلا عن أنها إنسانية أيضا.

ولكن الذي حدث – وتكرر أكثر من مرة ، لدرجة حظر مجلة (ناشيونال جيوجرافيك) الشهيرة من دخول إيران للسبب نفسه – يبرهن بصورة قاطعة على أن النظام الحاكم في إيران لا يتعصب فقط تعصبا مذهبيا ضيقا ( للتشيع ضد أهل السنة وللتشيع الإثناعشري بالذات ضد سائر مذاهب الشيعة الأخرى ! ) ، ولكنه يتعصب أيضا تعصبا عرقيا (فارسيا) ضد غير الفرس حتى ولو كانوا شيعة (نموذج الأحوازيين) ! فلابد لكي تنعم بالمواطنة الكاملة في إيران أن تكون شيعيا - إثناعشريا - فارسيا - مؤيدا للنظام ، وإلا ...!

الخلاصة أنه نظام عنصري ، حتى وإن ادعى غير ذلك من خلال ماكينة الدعاية الكلامية الهائلة التي ينفق عليها المليارات ويقوم بتشغيلها ليل نهار على أسماع العالم كله حتى كاد العالم يصاب بالصمم من كثرة ما يصدر من كلام دعائي وتبريري من إيران !

(2)

فإذا ما انتقلنا إلى العراق ، وجدنا شيئا آخر شديد الغرابة ، ولكنه يسير في السياق نفسه ، سياق عدم رؤية الآخر ولا الاعتراف به ولا قبوله. فقد تابعنا وتابع العالم كله الانتخابات العراقية التي جرت من شهور ، والتي أكدت نتائجها – بعد مراقبة داخلية وخارجية مكثفة – فوز (القائمة العراقية) التي كانت تحمل رقم 333 ، ويقودها إياد علاوي ، وهو شخصية سياسية مرموقة مهذبة محنكة وعلى علاقة طيبة بالجميع وسبق له رئاسة الحكومة ، بأكبر عدد من مقاعد المجلس التشريعي. وكان من الطبيعي أن يفسح السيد نوري المالكي رئيس الحكومة المنصرفة المجال للسيد علاوي لتشكيل الحكومة الجديدة ، لكي يعطي للعالم العربي نموذجا من الديمقراطية العراقية ، فإذا ما أخفق مثلا علاوي كان من حق رئيس الدولة أن يطلب ممن يليه في عدد المقاعد وهو السيد المالكي أن يحاول هو تشكيل الحكومة.

هذا يا إخواني هو ما يحدث في العالم كله في أي بلد يدعي الديمقراطية ، فهل سارت الأمور على هذا النحو في العراق "الديمقراطي" الجديد بعد سبع سنوات كاملة على الإطاحة بنظام صدام حسين "الديكتاتوري القمعي الإقصائي " القديم ؟! أبدا !

فالمالكي "رأسه وألف سيف" - كما يقول التعبير العامي المصري – ألا يترك مقعد الحكم إلا على جثته ، ويقول لو لم أشكل الحكومة فسوف تسيل الدماء أنهارا في العراق (كما لو أنها لا تسيل الآن أصلا !) ، ويقول مثل شمشون : علي وعلى أعدائي ! سأهدم المعبد على الجميع ! كأنه يفهم الديمقراطية فهما خاصا بسيادته وحده ، وهو أن يظل في الحكم حتى آخر نفس (مثل صدام بالضبط!) ، وإلا فعلى الديمقراطية السلام ! تسأل حضرتك : وهل هذا التعصب الشديد من السيد المالكي (الشيعي) سببه مثلا أن خصمه ومنافسه السيد علاوي (غير شيعي) ؟ أجيبك : أبدا والله يا أخي ، هذا شيعي وذاك شيعي ! طيب ، ما المشكلة ؟ المشكلة كما يقول كل المحللين والمراقبين هو أن ائتلاف علاوي (وطني) وليس (طائفيا) ، ففيه الشيعي والسني والتركماني والشيوعي والليبرالي ، إلخ ، أما ائتلاف (دولة القانون) الذي يقوده المالكي ، فهو في الواقع ائتلاف دولة القانون (الشيعي) أو(الطائفي) ! لأنه يضم : المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم (شيعة) ، وائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي (شيعة) ، والتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر (شيعة) ، وحزب الدعوة بقيادة إبراهيم الجعفري (شيعة) !

هل ترون مدى (الوطنية) و(التنوع) في (دولة القانون) ! إنه إذن – كما قلت – "ائتلاف دولة القانون الشيعي" !

فهذا أيضا أيها السادة مثال من العراق الشقيق – بعد مثال إيران – على مدى عنف التعصب العرقي والطائفي وعدم التسامح مع الآخر.

وسوف ينتهي الأمر بأن يفرض المالكي رأيه ويشكل الحكومة الجديدة إلا إذا تعرض لضغوط من جهات لا يملك أن يعصيها ، وهكذا صارت عندنا في العالم العربي دولتان على الأقل يستحيل تشكيل حكومة جديدة فيها أو تفعيل كياناتها السياسية إلا بناء على توازن قوى أطراف خارجية ( في لبنان : سوريا والسعودية وفي العراق : إيران وأمريكا ) فهنيئا لكم !

(3)

أما حكاية (الملوخية) ، وهي العنصر الثالث في عنوان مقالي هذا ، فقد تذكرتها لأن الشيء بالشيء يذكر ، وهي معلومة نعرفها جميعا ، وكم تناولتها الكتب والمسرحيات والمقالات ، وكم ضحكنا منها ونحن ندرسها في حصص التاريخ زمان ، وهي تحريم أكل الملوخية أيام الفاطميين !

كلنا درسنا في حصص التاريخ ، وقرأنا في الكتب والمراجع ، أن الحاكم بأمر الله
( وهو الخليفة الفاطمي الثالث في مصر بعد المعز لدين الله والعزيز بالله ، وتولى من سنة 386 إلى 411 هجرية ) تشدد في تحريم أكل الملوخية على الناس وكان يأمر بعقاب المخالفين عقابا شديدا.

هذا أيضا يا أصدقائي درس – ربما يبدو طريفا بدليل اتخاذه مادة للتسلية والتندر والمسرحيات الفكاهية – ولكنه في الحقيقة درس مؤلم جدا في مسألة عدم قبول الآخر لدرجة التدخل فيما يأكل ويشرب ، حتى في بيته لو أن أحدا وشى به !

بعض الناس استهوتهم فكرة الدفاع عن الحاكم بأمر الله ، وقالوا إنه حرم الملوخية مثلا لأنه كان ثمة وباء في ذلك العصر وكان نبات الملوخية مما يساعد في انتشاره ، مما يثبت حكمته البالغة ، بينما ظلمه المؤرخون وافتروا عليه !

سمعت ذلك وأشباهه وقرأته ، واكتشفت أن وراءه كتبا مذهبية تدافع عن الفاطميين والمذهب الإسماعيلي ، ومن الأسماء التي أذكرها في هذا الصدد الأستاذ سامي مكارم والأستاذ عارف تامر. ولا عجب أو دهشة بالنسبة لي ، لأن هؤلاء الباحثين وأمثالهم – مع الاحترام الواجب لهم شخصيا ولحق الاختلاف ولما يمكن أن يستفيده الباحثون منهم في جميع الأحوال – كتبوا ذلك في سياق تحسين صورة المذهب والدفاع عنه ضد منتقديه ، وهي ظاهرة طبيعية موجودة لدى كل أصحاب المذاهب ، ولكن المرفوض بالطبع أن تكون وسيلة ذلك تزوير حقائق تاريخية ثابتة أو لي أعناق المصادر واستنطاقها بغير ما تنطق به.

كنت قرأت تحريم الحاكم للملوخية – ولأمور أخرى كثيرة جدا – ناهيك عن اضطرابه النفسي والعقلي والعصبي وتقلبه بين مواقف متناقضة (بعضها جيد في ظاهره) وقمعه الشديد واستسهاله القتل لأعداد لا تحصى منهم أقرب الوزراء والأقرباء والمستشارين ، في مصادر التاريخ القديمة ، ومنها المؤرخ العظيم المقريزي (صاحب اتعاظ الحنفا والخطط والسلوك وإمتاع الأسماع ، والمقفى الكبير ، إلخ) ، وبالذات من خلال نسخة نادرة من طبعة مطبعة بولاق لكتابه (الخطط) ، ورثتها من مكتبة جدي رحمه الله تعالى.

وقرأت عن الحاكم والدولة الفاطمية والمذهب الإسماعيلي كتبا ومصادر ومراجع أخرى كثيرة ، قديمة وحديثة ، منها – حتى يتيقن القاريء أنني لا أظلم هذه الدولة أو هذا الخليفة أو هذا المذهب بما ليس فيه أو تعصبا ضد عقيدة أختلف معها. فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر : مؤلفات ودراسات للمقريزي – ابن تغري بردي – ابن إياس – النويري – ابن خلكان - المستشرق الشهير إم. كانار – حسن إبراهيم حسن - عباس العقاد – محمد عبد الله عنان – محمد كامل حسين – عبد المنعم ماجد – أيمن فؤاد سيد ، إلخ.

وحقيقة الموضوع يا أصدقائي ، وخلاصته المركزة الموثقة هي كما يلي :

أولا : الدولة الفاطمية لم تكن دولة "عادية" ، بمعنى أن تستولي أسرة ما على الحكم فتحكم وتركز على السياسة والشئون العسكرية والاقتصادية مثلا ، ولكنها كانت دولة "عقائدية" بكل معنى الكلمة ، بل و"عقائدية متعصبة" أيضا ، بمعنى أنها تتدخل في كل شئون الحياة ومجالاتها وكل خصوصيات الناس ، ولو استطاعت لأحصت عليهم أنفاسهم ، حتى تتأكد أن كل "فتفوتة" في البلاد والعباد تنضح وتتنفس بالولاء والانتماء والدعاء للمذهب الشيعي الإسماعيلي وتلعن كل خصوم وأعداء هذا المذهب !

ثانيا : تحريم الملوخية ومنع زراعتها أو بيعها أو أكلها لم يقتصر على عهد الحاكم بأمر الله ، ولكنه تشدد أكثر من غيره فقط في معاقبة الناس على ذلك ، لأن منطلق التحريم "عقائدي شيعي" لا يتعلق بموقف شخصي من الحاكم. وتذكر مصادر مهمة أن العقوبة كانت تصل إلى الإعدام !

ثالثا : لم يقتصر المنع والتحريم والعقاب على الملوخية ، بل تعداه إلى منع وتحريم أشياء أخرى وأكلات أخرى. وهنا ندخل في الموضوع ونقول إن السبب ببساطة "عقائدي متعصب غريب مضحك" في آن واحد : أن تحتشد دولة كبيرة بكل هيلمانها لمحاربة "أكلة" ومعاقبة من يضبط متلبسا ببيعها أو طبخها أو تتناولها أو زراعتها ! أتدرون ما السبب ؟ السبب هو أن سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عرف عنه في التاريخ ومن خلال سيرته أنه كان يحب الملوخية ويكثر من تناولها ! ولأن معاوية هو واحد من ألد أعداء الشيعة عموما – بما فيهم الإسماعيلية وهم موضوعنا – فكان لابد من منع كل شيء كان يحبه وتحريم كل أكلة كان يفضلها نكاية فيه وفي أهل السنة ! بل قيل إن ممن كان يحب الملوخية غير معاوية كل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها !

رابعا : هناك أكلات أخرى حرمها الفاطميون ، لنفس الأسباب العقائدية القائمة على كره رموز المذهب السني وبغضهم والنكاية فيهم ، وتشدد في ذلك بالذات الحاكم بأمر الله بحكم طبيعة شخصيته المتعصبة المضطربة عصبيا – فمنها مثلا : "الجرجير" والسبب أن سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تحبه ، ويقال إنها كانت أول من أدخله لقائمة طعام المسلمين بعد اكتشافها له ! وأكلة اخرى اسمها "المتوكلية" قيل إن الخليفة العباسي (المتوكل) ابتكرها أو أنها صنعت خصيصا له ، وكانت تدخل في صنع الحساء ، وطبعا العباسيون أيضا من أعداء الشيعة التاريخيين الألداء ، والمتوكل معروف عنه أنه محيي السنة وقامع البدعة وهو الذي وضع نهاية لفتنة "خلق القرآن" التي تسبب فيها المعتزلة.

اقرأوا معي ما يقوله واحد من أكابر أساتذة التاريخ الإسلامي الي تخصصوا في دراسة العصر الفاطمي ، وهو الدكتور عبد المنعم ماجد رحمه الله ، في مرجعه القيم (نظم الفاطميين ورسومهم في مصر) ، الجزء الأول :

"في سنة 393 هجرية / 1002 م ، أبطل الحاكم صلاة الضحى ، ذلك أن الشيعة لا يقومون بها ، وفي ظل هذا الخليفة أيضا منع الناس من بيع المأكولات المحببة إلى أعداء الفاطميين : "كالملوخيا" التي كان معاوية يحبها كثيرا ، و"الجرجير" المنسوب إدخاله في الطعام لعائشة...كل هذا يبين لنا (والكلام لا يزال للدكتور ماجد) إلى أي درجة وصل الحقد المقيت الذي يحمله الشيعة للسنة ( ثم يورد الباحث حاشية يقول فيها ) " ازداد هذا الحقد شدة لما أمر الفاطميون في سنة 395 هجرية / 1004 م بسب (السلف) أعداء علي ، وهم عائشة زوجة النبي ، وأبو بكر وعمر وعثمان ، وطلحة والزبير ، والخليفة معاوية ، وعمرو بن العاص ، فكان هذا السب يقرأ في الجوامع ، أو يكتب على أبواب الحوانيت والبيوت وسائر المساجد وعلى المقابر".

ثم يضيف المؤلف في فقرة أخرى كلاما خطيرا تكتمل به صورة ذلك التعصب المذهبي المقيت المتدثر بعباءة الدين وحب آل البيت مع أنه لا علاقة له بأي تدين حقيقي :

"وعلى العكس ، استغلت الحسبة (أي في العهد الفاطمي) على وجه آخر ، لتحقيق أغراض الدولة السياسية ، فمن العجيب أن نقرر بأنه على الرغم من مذهبية الدولة وتعصبها ، فإنها غالبا ما تركت للمصريين حرية شر ب الخمر واللهو دون قيد ، فترتب على ذلك المبالغة في الفساد والانغماس في الإباحية في بعض الأحيان ، مما كان له أثره في الخلفاء أنفسهم ، وأثار الإنكار والانتقاد من أعدائهم" انتهى ، ص 166 و ص 167 ، طبعة مكتبة الأنجلو المصرية ، سنة 1985.

يعني : تشرب الخمر : ماشي ، لا مشكلة.. تأكل ملوخية مثل أعداء الشيعة .. لا وألف لا .. يعتقلك المحتسب ويحكم عليك بالإعدام ! أهلا وسهلا !

وبالمناسبة ، فللدكتور عبد المنعم ماجد كتاب بعنوان (الحاكم بأمر الله الخليفة المفترى عليه) ، وهو كما يبدو من عنوانه محاولة للحكم الموضوعي على الحاكم بذكر ما له وما عليه ، فقد كانت له – مع تصرفاته الرعناء وإسرافه الشديد في العقاب والقتل وسياساته القمعية الشنيعة بقطع الأعناق والأيدي والألسنة وحرق المدن وهدم دور العبادة ، إلخ ، بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية.

ونحن نسوق هذه المعلومة للتأكيد على أن من أفرد كتابا خاصا للدفاع عن بعض جوانب في شخصية وسياسات الحاكم بأمر الله هو نفسه الذي يذكر ما نقلناه سابقا عن تعصبه الشديد في تحريم الملوخية وأمور أخرى ، يعني لا يمكن اتهامه بأنه يتخذ منه موقفا شخصيا أو يتحامل عليه ، ويؤكد أن كل ما ذكرناه حقائق ثابتة وموثقة علميا وتاريخيا ولا سبيل إلى إنكارها وإلا وجب علينا أن نترك ميدان البحث التاريخي إلى اللهو والعبث والتهريج.

ولاشك أنه من رحمة الله تعالى بالمسلمين في مصر أن هيأ من الأسباب والظروف التي أدت إلى إنهاء هذا النوع من الحكم ، وكان ذلك على يد صلاح الدين الذي اضطر إلى ذلك اضطرارا دفاعا عن بلاد المسلمين ضد هجمات الصليبيين واحتياج مصر لدولة قوية ، لأن نظاما كان يسمح للناس بشرب الخمر بينما كان يقتلهم إذا لم يلعنوا الصحابة وأمهات المؤمنين ويمتنعوا عن أكل الملوخية لم يكن يستطيع تعبئة الشعب المقهور وتوحيده للانتصار على الصليبيين أو استرداد بيت المقدس !

الدرس المراد من المقال هو : مهما نكلت بالآخر فهو موجود ، والاختلاف حقيقة كونية وإرادة إلهية ، من حقك انتقاد الآخر ، ومن حقه انتقادك ، ومن حقك وحقه التعبير عن الرأي بحرية ، أما الإقصاء القانوني والاجتماعي بسبب الهوية فتخلف غير مقبول وعناد عقيم ، "ولا يزالون مختلفين" صدق الله العظيم.

الأحد، 4 أبريل 2010

مجددا ، في "المسألة البرادعية" : نقطة نظام !


بقلم : معتز شكري

صار الأمر فعلا خليقا بأن نطلق عليه "مسألة" على غرار المصطلحات التاريخية المعروفة ، مثل "المسألة الشرقية" و"المسألة المصرية" ، والآن القضية رقم واحد في مصر – شئنا أم أبينا – هي الدكتور البرادعي ، وصار تصنيف أي مصري الآن هو : هل أنت مع البرادعي ؟ أم أنت ضد البرادعي ؟ وأصبح تصنيف الأحزاب والقوى والتيارات والمنظمات ، إلخ ، يتوقف على موقفها من البرادعي.

والذين أتشرف بأنهم قرأوا لي مقالاتي السابقة – وأنا أقر وأعترف أنني لست كاتبا كبيرا ولا مشهورا ولا واسع التأثير - لعلهم يذكرون أنني ضد البرادعي ، لست ضده كمصري ولا كدبلوماسي ولا كصاحب منصب ولا كصاحب حق في الترشح للرئاسة ، مثله مثل غيره ، ولا كشخصية عامة تعمل مع غيرها لتحسين الأوضاع أو تعديل ما يجب تعديله من مواد الدستور.

أنا ضده كفكر لأنه لا يعبر عني ، وضده بالطريقة "المريبة وغير الطبيعية" التي ظهر بها ويريد أنصاره فرضه علينا بالعافية ، وضده ك"بطل" متخيل و"مهدي منتظر" يعلق عليه الجميع الأمل في حل مشكلات مصر جميعها ، وضده ك"معلوم قليل ومجهول كثير" ، وأنا لو سار الثمانون مليونا من المصريين خلفه وبقيت وحدي لفضلت البقاء وحدي على أن أكون فردا في قطيع يسوقه شخص يقلقني ما أجهله عنه ويقلقني أكثر ما أعلمه عنه.

لم أصبر ثلاثين سنة حتى أفطر على البرادعي.

وأخشى أن يتحول من "قشة يتعلق بها الغريق" إلى "قشة تقصم ظهر البعير".

لن أكرر ما قلته سابقا في أكثر من موقع إليكتروني ، وبمقدور أي شخص ونحن في زمن التقنية والإنترنت ، أن يستعين بمحركات البحث ليعيد قراءة وجهة نظري ، ولكنني اليوم معني بالتوقف عند هذه الظاهرة الغريبة لتحليلها ، أما أمر البرادعي فهو سائر إلى حيث تشاء الأقدار، وسوف نرى كلنا – إذا كنا أحياء إن شاء الله تعالى – ما سيحدث على عينك يا تاجر !

وما فيناش من زعل أرجوكم ! من يحب البرادعي ويتحمس له فبالهنا والشفا ، وبمقدوره أن يسير مع الرجل في الشارع ويصلي معه في الجامع ويهتف باسمه في الطرقات ويغني له الأغنيات وينشد الهتافات : يعيش البرادعي .. يا .. يعيش .. يعيش .. يعيش .. ياللي في مصر غيرك مفيش !

أما الظاهرة ، فهي أننا كمصريين لا نميز بين العقل والعاطفة ، ولا بين الواقع والأحلام ، ويختلط لدينا دائما تقريبا القائد الذي نتطلع إلى أن نختاره – المفروض – مثل باقي خلق الله ، ونحاسبه إذا شئنا ونعزله إذا أردنا والبطل المخلص (بتشديد اللام) الآتي لنا من غياهب الأزمان لكي يفعل وحده المعجزات ويضرب بعصا موسى فتحدث المنجزات ، وإذا شاء أطلق على الأعداء الصواريخ وإذا شاء ضرب بقدمه الأرض فطلعت بطيخ !

مازلنا عايشين حلم القائد الملهم .. البطل الفرد .. الذي يفعل كل شيء وهو ضمان كل شيء وإذا مات متنا معه وانتهى أمرنا تماما.

لا نريد من بطلنا أن يقدم لنا كشف حساب عن أي شيء ، فهو لا يسأل عما يفعل ، أستغفر الله العظيم ولكن هذا فعلا هو حال الكثيرين منا ، بل لا نسأله أصلا ما هو برنامجه الذي يريدنا أن نسير معه أو وراءه لتحقيقه ، فهو بالتأكيد يفهم أحسن منا جميعا وأكيد نيته خير إن شاء الله !

وبعدين الراجل صلى في الحسين ، والجمعة التي بعدها في المنصورة ، ما شاء الله .. ما شاء الله .. عايزين "بورنامج" أحسن من كده ؟! صلاة النبي أحسن !

الدليل على مشكلتنا النفسية المستعصية أننا في وجه شراسة عدونا وتحت وطأة عجزنا وخيبتنا الثقيلة كما في قضية فلسطين مثلا لا نملك إلا أن نصيح : أين أنت يا صلاح الدين ؟! عد إلينا يا صلاح الدين !

والموتى لا يعودون !

إلا إذا كان الدكتور اسمه بالكامل : محمد "صلاح الدين الأيوبي" البرادعي !

فإذا قيل المقصود أن يرزقنا الله تعالى بطلا مثله ، قلنا إن الله سبحانه له سنن لا تتبدل ولا تتغير ولو استحققنا النصر لجاءنا النصر ، ولكن ما أصفق وجوهنا ونحن على حالنا هذه التي نحارب الله فيها ليل نهار ثم ندعو الله تعالى ونبكي في القنوت : اللهم يتم أولادهم .. اللهم رمل نساءهم .. اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين !

دعاء عسل والله !

صلاح الدين ظهر في مناخ سبقه ، ولولا عالم كأبي حامد الغزالي وقائد عظيم كالسلطان نور الدين محمود لما استطاع صلاح الدين أن يظهر أو أن يفعل أي شيء.

فكرتنا عن البطل المنقذ المخلص فكرة عجيبة ! نقعد مع القاعدين ثم نطلب النصر والتقدم والرفعة والازدهار ! بأمارة إيه لا مؤاخذة ؟!

هل نفترق كثيرا عمن قالوا لرسولهم : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ؟!

عودة للبرادعي : مستعد أبيع الذي ورائي والذي أمامي ( وهو مش كتير على فكرة وربنا أمر بالستر ! ) لكي أسير وراءه ، ولكن أقنعوني.

سيحاولون إقناعي : لأنه أحدث حراكا في الحياة السياسية الراكدة.

طيب ، الحراك هذه كلمة غائمة ليس لها مدلول كبير، وهي ليست في جميع الأحوال غاية في ذاتها ، ولا شك أنها أفضل من الموات والسكون ، ولكن لابد أن يكون الحراك رشيدا وإلا لقادنا إلى الهلاك.

فالحراك يمكن أن يحدث في اتجاهات مختلفة ففي أي اتجاه يسير هو ؟ ، ثم إن من الظلم للشعب المصري الذي بدأ من سنوات يتحرك ضد الظلم بمظاهرات ووقفات احتجاجية واعتصامات ومدونات أن ننسب ذلك كله للبرادعي الذي لم يظهر في الصورة إلا منذ شهور عندما تقاعد من منصبه الرفيع وبدأ يفكر في شيء يشغل وقته بدلا من الجلوس على المقاهي.

الحراك شيء حدث ويحدث منذ سنوات وشارك في صنعه كتاب ومفكرون وأحزاب وحركة كفاية وحركة 6 إبريل وحركة 9 مارس والإخوان ونقابة الصحفيين ونقابة المحامين وجمعيات حقوق الإنسان ومظاهرات الطلبة والعمال وسكان الدويقة والمعاقين وكل أصحاب المظالم في مصر وهم أكثر من الهم على القلب.

ما الذي ساهم به الأستاذ البرادعي – آسف أقصد الدكتور محمد "صلاح الدين الأيوبي قطز الظاهر بيبرس عنترة الزناتي خليفة أبو زيد الهلالي" البرادعي ؟!

صفر كبير !

لماذا ؟ لأنه كان خارج البلاد يكدح في منصبه الخطير الذي يقبض منه الدولارات بالملايين ، مرة مرتبات وحوافز وبدل طبيعة عمل ، مرة يرضي الامريكان ، ومرة يفقع تصريح يلاعب بيه إيران ، ومرة يتسبب في ضرب سوريا ، وهكذا ، ومرة جائزة نوبل بملايينها الكثيرة ، والآن علي بابا بعد أن نفدت فلوس المغارة يحس بالزهق والملل وهو مالوش في قعدة القهاوي. قال لك طب وليه قعدة القهاوي لا مؤاخذة ؟ ما بلده أولى بيه وبعدين البلد صلاة النبي أحسن بقى فيها "حراك" أهه بفضل وتضحيات حركات كثيرة ، وحاجة عال والثمرة قربت تسقط ، ما تيجي يا عم الدكتور تقطفها عالجاهز ، وعمك نيوتن قال لك التفاحة بتقع لتحت مش لفوق ، وانت قاعد فوق ، تعال وانزل تحت ، والناس هناك طيبين قوي ، ما هيصدقوا ويرحبوا لأنهم مثل الغريق الذي يريد أن يتعلق بقشة ، تعال يا دكتور وكن أنت القشة ، مين عارف مش يمكن تضرب معاك وتكسب البريمو ؟!

"بايضالك" في القفص يا عمنا .. "مكتوبالك" و"والدتك داعيالك" !

الرجل لم يبد أية آراء سياسية عن مصر إلا بعد أن فوجيء – للمرة المليون أقول "فوجيء" – ولم تكن في باله قط - بأن البعض في مصر طرح أسماء جديدة لكي يكونوا مرشحين محتملين للرئاسة ردا على الحزب الحاكم الذي يقول لا أحد يصلح إلا الرئيس أو نجله ، وهو ممن طرحت أسماؤهم اجتهادا من بعض الناس (أموت وأعرف مين أول واحد طرح اسمه !) . فبدأ الرجل ينتعش وينبسط و"حليت" له المسألة قوي التي جاءت له على الطبطاب ، بيضة مقشرة !

ما ماضيه في السياسة ؟ ما أفكاره ؟ ما مبادئه ؟ ما تضحياته في سبيلها ؟ ما قدراته القيادية ؟ ما مبادرته قبل أن "يفاجأ" ؟

صفر كبير !

نأتي للبرنامج ؟ بغض النظر عما إذا كان سيتمكن من الترشح للرئاسة أم لا ، لابد أن يعلن برنامجا ، حتى أستطيع أنا وغيري أن نحدد موقفنا ، بجد هذه المرة وليس بهزار . هل أعلن ؟ حسب معلوماتي لا ، أنا لم أسمع بعد ، إلا إذا كان سمعي "تقيل" وأنا مش واخد بالي ، حد يقول لي من فضلكم أعلنه متى وماذا قال فيه ؟

أنا لا أريد أحاديث ، لا أريد أن ألهث وراء كلمة قالها هنا وكلمة قالها هناك ، ومعنى اعتذر عنه هنا ، ومفهوم قال إنه أسيء فهمه فيه هناك ، أنا – كمواطن – لا أريد أن أمشي وراء قائد ليس لديه سوى أحاديث ومقابلات إعلامية ، أنا أريد "برنامج" ولو في شكل بيان للأمة يقول فيه : "أنا فلان الفلاني أطرح نفسي عليكم كناشط سياسي وأسعى لتعديلات دستورية على طريق إصلاح حياتنا السياسية تمهيدا لنهضة شاملة ، ومبادئي التي ألتزم بها لكي ينضم إلي من يريد على أساسها ويحاسبني عليها هي واحد .. اثنان .. ثلاثة."

ويضيف قائلا : "وهذا سوف يعرضني ويعرض من معي لمخاطر وتضحيات ، فليعلم من الآن كل من يريد أن يسير معي في هذا الطريق أنه ليس طريقا مفروشا بالورود ، وأنا لن أضمن لكم أية نتيجة لأن طريق الكفاح طويل ، ولكنني أعلن لكم وألتزم بأن أكون أول المضحين ، لن أترك أي مشاعر خوف تثنيني عن المضي قدما ، لا خوف على مالي أو نفسي أو أولادي أو عائلتي. سأكون في مقدمة الصفوف."

هذا ما أريده ، فهل فعله الدكتور حتى الآن بعد شهور طوال على ظهوره على الشاشة بطلا منقذا ومخلصا ملهما وقائدا حكيما وقشة يتعلق بها الشعب المصري الغريق ؟ أبدا . لم يفعل. طيب ، وماذا ينتظر سعادته ؟ الله أعلم. لا أرى أحدا يطالبه بشيء ، أليس بطلا ملهما لا يسأل عما يفعل ؟ أليس هو الملاح الجديد الذي "حيعدينا" .. ؟! لما ييجي له الإلهام يبقى يعلن برنامج. هو حر. يختار التوقيت المناسب.

ثم ، اكتشفت من أمر الدكتور عجبا ، وكل أمره عجب والله !

كل ما ينقدح عنه ذهنه من أفكار أو يتداركه من نقد يوجه إليه أو يستجيب له من تنبيه ينبه به عليه يأتي كله تقريبا – ويا للمصادفة العجيبة ! – من عدد من المحيطين به إحاطة السوار بالمعصم ، يتقدمهم الناصري العتيد السيد حمدي قنديل ، وطبعا منهم د. حسن نافعة ، ومحمد عبد القدوس ، والدكتور أبو الغار ، مع الاحترام لهم جميعا.

هم الذي قالوا له ونصحوه : غبت طويلا بالخارج ، والمفروض أن تضرب والحديد سخن ، عد الآن ، ولا تتأخر أكثر ، فعاد.

لابد من التواجد بين الجماهير ، فتواجد.

يستحسن تصلي معهم الجمعة ولاسيما بعد تصريحاتك عن الشريعة الإسلامية ، فصلى.

يجب عليك أن تلف القرى والنجوع والمراكز والأقاليم ، فبدأ يلف !

هو أنت لا مؤاخذة مفيش عند سيادتك حاجة "أوريجينال" طالعة من مخ سيادتك لوحدك ؟ طيب أنت جاي من بلاد الفرنجة وقازح علينا بكل ثقلك وحماستك "عايز" تبقى رئيس و"عايز" النظام يغير لك الدستور و"عايز" مننا احنا المواطنين الغلابة اننا نساعدك ونلتف وراءك . هو انت رئيس من ماركة "عايز" ولا تفعل شيئا بنفسك ؟!

ما الذي فعلته وستفعله وفكرت فيه حتى نسير وراءك ، ولاسيما أن المسير وراءك صار مكلفا ، فالطبيب الذي وزع منشورا لتأييدك اعتقل وعذب ، والناشر الذي طبع كتابا عنك اعتقل ، والبقية تأتي. طيب أخرج لنا وللناس وللدنيا كلها ولو بيانا واضحا تقول فيه ما خطتك .. ما أفكارك .. ما مشروعك للإصلاح الشامل . ماذا ستفعل في "الخرابة" التي تريد أن تصلحها ؟!

ثم حكاية الجمعية الوطنية للتغيير ، حكاية غريبة. هل هناك أحد في مصر لا يريد التغيير باستثناء المنتفعين ببقاء الوضع على ما هو عليه ؟ كلنا مع التغيير ، فهل هكذا أنت شفيت غليلنا عندما أعلنت عن تأسيس جمعية وطنية للتغيير ؟ كيف تقترح التغيير ؟ ما الذي في ذهنك للتغيير ؟

هل تريد منا صكا على بياض ؟!

حجة أخرى لمؤيدي البرادعي : أنتم هكذا تريدون بقاء الحزب الحاكم والنظام وبقاء الوضع على ما هو عليه ، ولا تكررون سوى "الهذيان" الذي يردده الحزب الحاكم عن البرادعي !

غلط ! لا نريد.

إذن .. لابد أن تنضموا للبرادعي .

برضه غلط ! لن ننضم للبرادعي !

يعني إما البرادعي وإما النظام الحالي ؟! يا سبحان الله !

وهذا كمن يقول لك : أدعوك للبهائية ، فتقول : أعوذ بالله ، لا أريد.

فيقول : خلاص يا سيدي ، تاهت ولقيناها ، كن قاديانيا.

فتقول : يا ساتر ، لا أريد.

فيقول لك : يا أخي حيرتنا ، لا بهائية ولا قاديانية ، وشكلك كده برضه ضد الماسونية ، كل هذه الاختيارات وفرصة الحرية الرهيبة ولا تريد الاختيار الحر ، طيب عايز تبقى ايه يا أخي ؟

إنه منطق : بلاها نادية .. خد سوسو !

طيب أنا لا أريد لا نادية ولا سوسو ! أنا حر يا أخي !

وياريت كمان بلاش فوزية !

ونلتقي مجددا أحبائي إن شاء الله عندما يفعل البرادعي شيئا جديدا يستحق التعليق ، مين عارف مش يمكن الراجل يزهق في الآخر إذا قرر اللي بالي بالك أن يتقلوا عيار الضرب والشتيمة فيقوم يشمع الفتلة ويبلغ فرار ويقول : مش لاعب ، ما اتفقناش على كده ؟!

الجمعة، 26 فبراير 2010

عكا ولا جزار لها !


بسم الله الرحمن الرحيم


عكا .. ولا "جزار" لها !
بقلم : معتز شكري

من وقت لآخر تقع أحداث بمدينة عكا ، يستقوي فيها السكان اليهود بدولتهم الصهيونية على سكانها العرب من مسلمين ومسيحيين ، وتهدأ الأحداث فترة لتثور من جديد في وقت آخر ، ولكن التوتر يبقى سيد الموقف مادام الظلم الواقع على إخوتنا في فلسطين مستمرا.

وكل ما يحدث في عكا وأتابعه في الأخبار ، سواء اشتباكات بين العرب والمستوطنين الذين سبق ترحيلهم من غزة وجاءت بهم سلطات الدولة اليهودية لتسكينهم في عكا ليكونوا شوكة في خاصرة سكانها العرب ، أو حتى بعض الأخبار السارة من قبيل الأنشطة العربية هناك للحفاظ على الهوية ، كل ذلك يذكرني بزيارتي لهذه المدينة في أواخر شهر ديسمبر 2006 ضمن مهمة صحفية لي في الأراضي الفلسطينية ، وزرت خلالها جامع أحمد باشا الجزار. وهو واحد من أكبر وأجمل مساجد فلسطين.

ولم يكن بالمسجد إلا القليل من مسلمي عكا البسطاء الطيبين القابضين على الجمر ، ومنهم شباب يبعث الأمل في مستقبل هذه الأمة بالرغم من كل الأهوال المحدقة بها ، وربما لايتسع المجال هنا لسرد ما سمعناه ورأيناه من قصص الاضطهاد والتمييز ونحن في المدينة من أهلها الفلسطينيين الأصلاء .

وعندما وقفنا لقراءة الفاتحة أمام قبر أحمد باشا الجزار (1734-1804م) قفز إلى خاطري كل ما حفظه لنا التاريخ عن أحمد باشا الجزار وبطولاته في الدفاع عن مدينة عكا واستبساله هو وأهلها في تحصينها لصد هجوم نابليون بونابرت عليها عام 1799.
الغريب أنني حاولت ، وأنا أسير في طرقات المدينة وأزور قلاعها وأتمشى على شاطئها ، أن أتخيل أو أتصور كيف استعصت على نابليون ، ومن أين جاءت تلك القوة والمنعة الأسطورية التي اشتهرت عنها – لدرجة ظهور المثل الشهير "يفتح عكا" ! - ولكنني لم أستطع !

لا شيء في المدينة ذاتها عندما زرتها يشير إلى أية منعة تؤدي إلى قهر جيش نابليون بونابرت وانسحابه مهزوما ذليلا ! لا توجد عوامل جغرافية أو جيولوجية خاصة تجعلها بهذه المنعة.
ولكن عامل العقيدة تمثل آنذاك في احتشاد أهل عكا "المسلمين" لصد جيش من الغزاة "المسيحيين" لا فرق بينهم وبين الصليبيين بالأمس، فكان هناك دافع جهادي محرك لهم للمقاومة ، على خلاف نظرتهم لجيش إبراهيم باشا الذي تمكن من فتح عكا بسهولة بعد ذلك بنحو ثلاثين سنة ، لأنه مسلم مثلهم وقادم من بلد مسلم مثل بلادهم ، فالأمر إذن أمر خلافات سياسية بين مسلمين بعيدا عن تهديد العقيدة نفسها ، ولم تكن النعرة القومية أو الوطنية قد ظهرت وقتها كما هي الآن.

كذلك كانت عدالة السماء تقضي بشيء من القصاص السريع لمذبحة يافا ، وإن كان باقي القصاص من هذه الحادثة ومن غيرها قد نال بونابرت في مراحل لاحقة من حياته هزيمة ومرضا وغربة ، فجاء انكساره في عكا وهزيمته ومرارته جزاء وفاقا – أو قليلا معجلا من الجزاء الوفاق له – على مجزرة يافا البشعة.

ويلخص لنا عبد الرحمن الرافعي ما حدث في يافا ، فيقول
: " احتل الجيش الفرنسي العريش في 20 فبراير 1799 بعد أن هزم الجيش العثماني بها ، ثم تابع زحفه حتى وصل إلى يافا فحاصرها واستولى عليها في 7 مارس بعد معركة شديدة."

"وفي مدينة يافا ارتكب الجيش الفرنسي باعتراف المؤرخين الفرنسيين أنفسهم أبشع مأساة ستظل أبد الدهر وصمة عار في جبين فرنسا. فبالإضافة إلى أعمال النهب والقتل التي استمرت يومين كاملين ، فإن الفرنسيين أعدموا رميا بالرصاص ثلاثة آلاف أسير عثماني ، على الرغم مما نصت عليه شروط التسليم من ضمان أرواحهم "!

ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فهل تجدون أي فارق بين مجزرة يافا هذه وأحداث الأمس القريب والبعيد عندما حصد الفرنسيون أرواح أكثر من مليون جزائري يدافعون عن حرية بلادهم (ضد الاستعمار والاستيطان) وعن هويتهم العربية (ضد الفرنسة) وعن عقيدتهم الإسلامية (ضد التنصير) خلال سبع سنوات فقط ، أي قرابة مائة وخمسين ألفا كل عام ، فكيف إذا أحصينا الشهداء خلال ال 132 سنة التي تشكل عمر القهر الفرنسي الاستيطاني المتعصب للجزائر (1830-1962) وكيف إذا أحصينا شهداء فلسطين على مدى قرن من قضيتها وليس فقط من نكبة 48 ؟!

وعندما نهى الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – عن التعرض بالقتل والإيذاء للنساء والأطفال والرهبان وغير المحاربين وللأسرى خلال الحرب كان يعلمنا احترام النفس البشرية. وعندما قام لجنازة يهودي مع استغراب من حوله وقال لهم معلما " أليست نفسا ؟!" كان يحترم النفس الإنسانية.

والآن عودة إلى عكا ، لنتذكر أن بطل موقعتها الذي حال دون أن يحقق بونابرت أحلامه في فتح الشرق كله كان هو أحمد باشا الجزار.

وهو الذي ذكر التاريخ – بجانب بطولاته العسكرية ودوره في صد غزوة بونابرت – أنه كان إداريا بارعا نجح في وقف تدهور الولايات التي كانت تابعة له وهي كل ديار الشام تقريبا على مدى قرابة ثلاثين عاما . ولكن التاريخ يذكر أيضا أنه كان مشهورا بتدبير المكائد والدسائس ، كما كان – وهو سبب هذا اللقب الذي غلب عليه - مستبدا ودمويا لدرجة أن بعض الأمهات والجدات في عكا حتى الآن يخوفن أطفالهن به وبسيرته إذا لم يسمعوا الكلام !

ونحن راضون أن يحكمنا الآن في بلدان العالم الإسلامي حكام مستبدون على شاكلة الجزار ( فنصيبنا من الاستبداد على ما يبدو مكفول لنا على أية حال!) ، شريطة أن يعدلوا في الاستبداد بيننا وبين أعدائنا وأعداء الأمة ويحفظوا لنا بلادنا ويحصنوها من هجماتهم.

ولأنه لم يعد الآن من هم على شاكلة صلاح الدين وقطز وقلاوون وعبد الحميد الثاني وأحمد باشا الجزار (الذين نعترف بأنهم لم يكونوا ملائكة ولا حكاما مثاليين ولكنهم كانوا ينقلبون أسودا ضواري في وجه أعداء الأمة) فقد سقطت عكا بسهولة في 1948 عندما اغتصبها اليهود حتى بعد أن جعلها قرار التقسيم في القسم العربي من فلسطين ، وإذا كانت الأدبيات المأثورة تقول : " ردة ولا أبا بكر لها " ، و"قضية ولا أبا حسن لها " ، أفلا نقول ونحن نتعاطف من بعيد مع أهلنا في عكا دون أن نفعل شيئا ذا بال لهم وهم يواجهون التمييز والاضطهاد والقهر وهم في عقر دارهم : "معذرة يا أهلنا ، فعكا الآن لا جزار لها " !

معتز شكري



اوعى ييجي لك البرادعي !

إوعى ييجي لك البرادعي !
بقلم : معتز شكري
في الأثر أن البلاء موكل بالمنطق.
ولكن رب ضارة نافعة.
فالذي قاله البرادعي "بعظمة لسانه" عن الإسلام والشريعة الإسلامية والدين أبلغ من أي كلام نقوله لننتقده فيه. والذي قاله في حديثه الأخير على قناة دريم لا يختلف عما سبق أن قاله قبل نحو شهرين ، ولكننا يا سادة في مصر ، ومصر هذه بلد قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله تعالى : كل شيء فيه ينسى بعد حين !
وربنا سبحانه يقول : "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ، وقد اضطررت لتغيير مقالي وكتابة ما أنا كاتبه الآن بعد أن رأيت نزول كتاب إسلاميين أفاضل إلى الحلبة مؤيدين بشدة عن رئاسة الدكتور البرادعي – التي لا يعلم أحد إلا الله تعالى مدى رجحانها حتى الآن وإن تكن في جميع الأحوال غير مستبعدة بعد أن جرت في النهر مياه كثيرة غريبة ومريبة في عواصم مختلفة من العالم – واقتناع بعضهم بأنه أفضل من غيره ، وبعضهم الآخر أنه الأفضل على الإطلاق الآن.
فتحملوني أولا وأنا أورد نصوص كلامه ، وقد تعودت على المنهج العلمي بنسبة كل شيء إلى مصدره ، ثم لتكن لي تعليقات سريعة بعد ذلك :
في الجزء الثاني من حديث الدكتور محمد البرادعي مع الشروق في أواخر ديسمبر 2009 قال المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية : "إن هناك تناقض فى الدستور المصري، لأنه يقول إن الدولة دينها الإسلام لأن غالبية مصر دينها هو الإسلام، ولكن الدولة ليس لها دين، فوزارة الصحة ليس لها دين، وزارة الصناعة ليست مسلمة".
واضاف : "إذا كانت الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى، إلا أن هناك بعض المشكلات التى لم ننجح فى حلها حتى الآن، ومنها علاقة الدين بالدولة، ليست فقط فى مصر، وإنما فى العالم العربى ككل".
وتابع البرادعي: "هناك آية قرآنية تقول: "فليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه"، سورة المائدة، القرآن هنا لا يسمح لأهل الدين بالتمسك فقط بدينهم وإنما بالبقاء على أحكامه، نحن للأسف لا نقرأ الدين ولا نفهمه".
وقال: "المسلم مثله مثل القبطى كلنا لنا نصيب فى هذا الوطن، كلنا يجب أن نشارك فيه، طالما نحن نعمل فى إطار سلمى، وطالما نحن نعمل بالحجة، وطالما نحن نحاول أن نصل فى نهاية المطاف إلى قضية مشتركة، وإلا سنتنافر، لا يوجد أحد فى مصر لا يحب بلده ولا يريد مصلحة بلده، بل كل واحد له رأيه وأنا أحترمه".
وكان البرادعي قد تحدث في الجزء الاول من حديثه مع "الشروق" حول وجود الاقبلط في مجلس الشعب، "وتساءل المجلس به كم قبطيا؟، وقال: بالانتخاب يوجد نائب قبطى واحد، بينما الأقباط لا يقلون عن 8% من إجمالى الشعب، إذن هناك مشكلة".
وقال: للسيدات الآن 64 مقعدا، وللفلاحين 50 مقعدا، وللأقباط مقعد واحد، كل هذه مسائل ديماجوجية، ليست مبينة على تفكير عقلانى، ولذلك كل هذه الاعتبارات يجب وضعها فى بوتقة فى إطار لجنة تأسيسية تمثل جميع الشعب من الإسلام السياسى إلى الماركسيين، ونتفق كيف تتوافر مقومات المساواة والعدالة الاجتماعية فى دستورنا".
اضاف: الدستور الجديد لابد أن يحقق السلام الاجتماعى لكل طائفة: مسلم، قبطى، بهائى، طفل، إمرأة. لابد أن يثق الجميع بأن حقوقه مكفولة وأن الدولة تتعامل معه على قدم المساواة مع زملاء المواطنة".
وأضاف في حواره مع صحيفة الشروق المصرية بتاريخ 22 – 12 –2009: "كلنا نشأنا، مسيحى أو مسلم، على القيم المشتركة، الصدق، الأمانة، تقديس العمل، السماحة، التضامن الاجتماعى، المحبة، هذا كان الإسلام، لم تكن لدينا قيادة دينية تتكلم عن إرضاع الكبير، فى نفس الوقت الذي كانت تكرمنى فيه ملكة هولندا، ويجلس إلى جوارى عالم مصري كبير اسمه نصر حامد أبوزيد، اضطر إلى الخروج من مصر لأن القضاء دخل إلى قلبه ووجد أنه ليس مسلما، وغادر البلاد.. هذه كارثة".
وتابع: يقول الله تبارك وتعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، هذا هو الإسلام كما نعرفه، ويقول تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، هذا هو القرآن يوصينا بالكفار، فما بالنا بالمؤمنين؟"
ويرى البرادعي ، إن المصريين حولوا الدين إلى طقوس وفصلوا أنفسهم عن القيم وعن بقية العالم "اليوم حين يكون رجل مسلم اسمه محمد أو أحمد أو على، يتجنب ذكر اسمه، ويتعين عليه أن يقول أنا لا أنتمى إلى الجماعة الإرهابية.. أصبح الجميع ينظر إلينا نظرة ريبة وشك، لماذا؟ لأن العالم كله يرى صورة الإرهابيين ملثمين ويبررون أعمالهم بالإسلام، ويحتاج الأمر منك إلى سنوات بعد ثبات هذه الصورة فى أذهانهم لكى توضح لهم صورتك، وأن تثبت أن ليس كل المسلمين إرهابيين".
انتهت النصوص.
وقبل أن أسترسل فيما أريد قوله ، أقول إنني بعد قراءتي لكلامه على موقع محيط في ديسمبر الماضي ، اضطررت يومها لأن أكتب تعليقا سريعا عليه كما يلي وبعنوان : "البرادعي طلع مقلب في أمور كثيرة" ، قلت فيه :
"لأننا لم تتح لنا من قبل فرصة الاستماع أو القراءة بشيء من التفصيل للدكتور البرادعي لم نكن نعرف شيئا عن أفكاره وافترض الجميع أنه مادام قد تقلد منصبا دوليا فلابد بالضرورة أن يصلح لحكم مصر."

"وهذاالفرض غير صحيح بالنسبة له ولغيره، وعندما بدأ البرادعي يتكلم ويكشف عن آرائه توالت الصدمات. أنا لا أقول مثل ما يقوله كتبة الحكومة فأنا أعرف تدني مستواهم الفكري والثقافي وأنهم يكتبون بالريموت كنترول ولا أوافق على حملة الهجوم المبالغ فيها على الرجل وأنا بالمناسبة من معارضي النظام والمتطلعين لتغييره ولكنني لست من أنصار التغيير لمجرد التغيير ولكن لابد أن يكون التغيير لأفضل."

"وقد بدأت صدمتي في البرادعي قبل موضوع الترشح للرئاسة بمدة ، عندما حضر لمصر لتكريمه ومنحه قلادة النيل حيث ألقى يومها كلمة بالعربية ففوجئت به يقع في أخطاء لغوية فاحشة في الوقت الذي يتكلم فيه الإنجليزية بدرجة إتقان كبيرة ، فهذا أول ما جعله يسقط من نظري."

"والآن هو يتكلم فيما لا يفهمه ولا يحسنه ولا يكتفي بذلك بل يعايرنا جميعا بأننا لم نقرأ القرآن ولم نفهمه مثل سيادته ، لأنه من الخطأ من وجهة نظره أن ينص الدستور على جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع لأن القرآن يقول" وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" وسيادته فهم معنى الآية على أنه حث من الله تعالى لأهل الإنجيل ليس فقط على أن يتمسكوا بدينهم ولكن أيضا على البقاء على أحكامه ! والصحيح يا دكتور يا من تريد حكم مصر بهذه البساطة هو أن القرآن الكريم يستخدم هذا الأسلوب البلاغي للتعجيز اتساقا منه مع المبدأ الثابت في الكتاب كله بأن كتابهم الأصلي تعرض للتحريف من زيادة ونقصان ونسيان وضياع إلخ ، فهو هنا يتحداهم أن يحكموا بما في كتابهم الأصلي لأنه غير موجود أصلا ، والملفت هنا أن الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يستخدم كلمات محددة لا لبس فيها فهو لا يقول : يحكموا بما "عندهم" ولكن " بما أنزل الله فيه " أي بالنص الأصلي المنزل."

"فالمصيبة يا عمنا الدكتور أنك مش بس مش فاهم حاجة في الدين الذي تنتسب إليه لكن كمان عمال تعك وتسفه الآخرين وتعتقد حضرتك أنك الوحيد اللي جاب التايهة والآخرون كلهم لم يفهموا الإسلام والقرآن !"

"وهناك ملاحظات أخرى كثيرة تفيد أن هذا الرجل لو فرضنا جدلا أنه سيحكم مصر ستكون مصيبة البلد في رأيي أضعاف أضعاف ما ارتكبه النظام الحالي. الرجل بصراحة غير مقتع بالمرة ولو في الحد الأدنى وحيخلي البلد بظرميط مادامت ثقافته في بديهيات العقيدة التي ينتمي إليها بهذه الركاكة والسطحية وواضح أيضا أنه واخد في نفسه قلم كبير جدا بلا حيثيات ، وبعدين مفيش داعي للعنتريات والتمثيليات بتاعت أنه وقف ضد إسرائيل والكلام الكبير ده كله ، فالرجل يستحيل أن تبقيه واشنطن والغرب كل هذه المدد في منصبه إذا لم يكن يحقق مصالحهم. والكلام يطول ، لكن أنبه الذين مازالوا مفتونين به بأن يفيقوا ويفهموا الرجل صح لأنه طلع مقلب كبير جدا."

انتهى تعليقي القديم.

وأود أن أضيف أيضا هنا أن فهمه البائس للأسف للقرآن ( والذي يتضح لنا أنه يقرأه ويفهمه كما يقرأ صحيفة الصباح أو أخبار رويتر ! ، دون أدني مراعاة لفهم معاني المفردات ومقصود النصوص والسيرة وسائر علوم الإسلام ودون أن يهتدي بأي عالم أو مفكر ) أقول فهمه هذا المتدني جدا لمعاني الآيات يمتد لأمور أخرى لا يمكننا أن نعذره في الجهل بها ، وهو دكتور القانون ورجل الخارجية والدبلوماسية الخطير : وهو فهمه لمعنى الدولة !

يقول : وزارة الصناعة ليست مسلمة ؟! ووزارة الصحة ليس لها دين .

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !

عليه العوض ومنه العوض يا قوم !

هذا إذن هو فهم الرئيس المرشح - وربما يصبح الرئيس المنتخب - لمعني عبارة أو مصطلح أو مفهوم "دين الدولة". هذا هو فهم دكتور القانون الدولي ، والدبلوماسي العظيم ، ومدير وكالة دولية كبيرة ، وصاحب نوبل !

لا يا عمنا ، فعلا يا من صرت في نظر البعض سنهوري عصرك وأبو زهرة زمانك – من غير مناسبة لا مؤاخذة وبالمناسبة أقطع دراعي إذا كان الغرب المتحضر يعطي جائزة نوبل أو نوفل أو بسطاويسي حتى ، إلا لأحد قد فحصوه ومحصوه ودخلوا تلافيف تفكيره وفصصوا حياته ومواقفه واطمأنوا وحطوا في بطنهم شادر بطيخ صيفي انه "تمام" و"كده" و"ييجي منه" ! - ليس هناك وزارة صحة مسلمة ولا وزارة صناعة متدينة ، ولكن هناك من يدير هذه الوزارة أو تلك بقوانين ولوائح وأخلاق وآداب وقيم ملتزمة بالشريعة الإسلامية ، من باب الالتزام بالدستور. بمعنى أن وزارة الصحة مثلا لا تبيح الإجهاض في غير حالات الضرورة الصحية القصوى لأنها تلتزم الشريعة يا عمنا ، ولأن الدستور يجعل الشريعة مصدرا ومرجعا ، وهكذا ، فهي وزارة ليست في حاجة لأن تضع عمامة كبيرة على مقرها لكي تصير وزارة مسلمة ، ولكنها تنتمي لدولة لها مرجعية إسلامية راجعة أساسا إلى رضا الغالبية العظمى من الشعب الذي ارتضاها شريعة ومنهجا. أليست الديمقراطية حكم الشعب ؟ اسألوا الشعب. أليس التشريع جزءا مهما من عمل السلطة التشريعية ؟ طيب ، ألا تلتزم السلطة التشريعية ومعها القضائية والتنفيذية بأحكام الشريعة الإسلامية في كل قانون تتم صياغته أو إصداره أو تطبيقه أو الحكم به؟ ما الذي يدعو للسخرية هنا حتى نقول وزارة مسلمة ووزارة لها دين ؟

الدولة مفهوم غامض لدى دكتور القانون وهذا شيء يدعو للأسف.

إنه يضع نصب عينيه فقط ما تدعيه بعض النظم الغربية – وليس ما تطبقه حقيقة – من أنها دول لا دين لها وأن الأديان عندها جميعا تتساوى ، ومكانها دار العبادة ، والدولة تتخذ مسافة واحدة من جميع الأديان.

هذا بكش يا دكتور. هذه أونطة. هذا الذي يدعونه دجل وخداع وشغل التلات ورقات.

تعصبهم لأديانهم وضد الإسلام يجري في عروقهم ، واللي ما يشوفش من الغربال .. لا مؤاخذة يعني !

أبرز مثال فرنسا ، هل فرنسا حقا دولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان ؟! هل حربها الشرسة على الحجاب بالذات تعكس اي حيادية أو علمانية ؟!

ثم إنهم حتى إذا فعلوا ذلك في بلادهم فلأن لهم تجربة تاريخية مريرة مع تسلط الكنيسة قرونا طويلة أدت إلى ظلمات وتدهور ومظالم وتخلف علمي واستبداد بشع. مالنا نحن ومالهم يا عمنا ؟!

والصحيح يا دكتور أن الدولة التي لا دين لها لا توصف بأنها دولة "مدنية" ، لأن الدولة التي دينها الإسلام هي نفسها أيضا دولة "مدنية" ، ولكن الصحيح هو أن الدولة التي لا دين لها هي دولة "علمانية" والعلمانية مذهب له موقف سلبي من الدين وليس محايدا. والمرفوض فقط هو الدولة الثيوقراطية أي التي يحكمها كهنة ، وهؤلاء لا وجود لهم في الإسلام أصلا.

انتهى الدرس.

ومعظم الدول التي تضم غالبية مسلمة تنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة ، يعني ليست مصر فقط يا دكتور ، كما أن هناك بالمناسبة حوالي ست دول دينها الرسمي هو البوذية ، مثل بوتان وكمبوديا وتايلاند وسريلانكا ، لماذا لم تتحدث عن هؤلاء ، وهل أدى ذلك لتخلفهم ام أن معظمهم صاروا دولا متحضرة ومتقدمة أكثر منا ؟

ومن قال إن أخي القبطي لن يحصل على حقوقه إلا في دولة "منزوعة الإسلام" كما هو خلاصة كلام الدكتور ؟! أبدا والله لقد أفادتنا دراسات أساتذة لنا أن دستور 1923 الذي نص على أن دين الدولة الإسلام شارك في وضعه غير مسلمين. إن الإسلام وشريعته هما اللذان يحميان الأقليات وهما اللذان يجبران المسلم على البر بهم والقسط معهم ويعاقبه إذا ظلمهم.

الكلام يطول ، ولكنني أضيف أخيرا خاطرا جاء لي أخطر من كل ما سبق : ألا تحسون معي أن في الأمر رائحة غير مريحة ، وأنه من الغريب والمريب أن تبدو المسألة كلها من أولها لآخرها كده أنها تلقائية ؟! وها قد وقعنا جميعا في "الخية" كما نقع في كل مرة ، ويتضح لنا مؤخرا جدا للأسف – برضه في كل مرة – أنه كان سيناريو محكما ومدبرا بين أطراف كثيرة وأن كل شيء فيه كان مقصودا ! هناك شيء واحد فقط أحترمه في الدكتور البرادعي : أنه كان واضحا جدا في توصيل فهمه لنا عن الدين والإسلام والشريعة ورايه في المادة الثانية من الدستور

كده كل شيء على نور الآن . فليؤيده من شاء وليرفضه من شاء.
وإلى كل الذين اعتبروه "أمل الأمة" ، وبالذات من الإسلاميين أو المسلمين الذين يهمهم أمر الدين : تعيشون وتأخذون غيرها .. و لا أراكم الله "برادعي" في عزيز لديكم !
إوعى ييجي لك البرادعي !
بقلم : معتز شكري
في الأثر أن البلاء موكل بالمنطق.
ولكن رب ضارة نافعة.
فالذي قاله البرادعي "بعظمة لسانه" عن الإسلام والشريعة الإسلامية والدين أبلغ من أي كلام نقوله لننتقده فيه. والذي قاله في حديثه الأخير على قناة دريم لا يختلف عما سبق أن قاله قبل نحو شهرين ، ولكننا يا سادة في مصر ، ومصر هذه بلد قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله تعالى : كل شيء فيه ينسى بعد حين !
وربنا سبحانه يقول : "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ، وقد اضطررت لتغيير مقالي وكتابة ما أنا كاتبه الآن بعد أن رأيت نزول كتاب إسلاميين أفاضل إلى الحلبة مؤيدين بشدة عن رئاسة الدكتور البرادعي – التي لا يعلم أحد إلا الله تعالى مدى رجحانها حتى الآن وإن تكن في جميع الأحوال غير مستبعدة بعد أن جرت في النهر مياه كثيرة غريبة ومريبة في عواصم مختلفة من العالم – واقتناع بعضهم بأنه أفضل من غيره ، وبعضهم الآخر أنه الأفضل على الإطلاق الآن.
فتحملوني أولا وأنا أورد نصوص كلامه ، وقد تعودت على المنهج العلمي بنسبة كل شيء إلى مصدره ، ثم لتكن لي تعليقات سريعة بعد ذلك :
في الجزء الثاني من حديث الدكتور محمد البرادعي مع الشروق في أواخر ديسمبر 2009 قال المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية : "إن هناك تناقض فى الدستور المصري، لأنه يقول إن الدولة دينها الإسلام لأن غالبية مصر دينها هو الإسلام، ولكن الدولة ليس لها دين، فوزارة الصحة ليس لها دين، وزارة الصناعة ليست مسلمة".
واضاف : "إذا كانت الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى، إلا أن هناك بعض المشكلات التى لم ننجح فى حلها حتى الآن، ومنها علاقة الدين بالدولة، ليست فقط فى مصر، وإنما فى العالم العربى ككل".
وتابع البرادعي: "هناك آية قرآنية تقول: "فليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه"، سورة المائدة، القرآن هنا لا يسمح لأهل الدين بالتمسك فقط بدينهم وإنما بالبقاء على أحكامه، نحن للأسف لا نقرأ الدين ولا نفهمه".
وقال: "المسلم مثله مثل القبطى كلنا لنا نصيب فى هذا الوطن، كلنا يجب أن نشارك فيه، طالما نحن نعمل فى إطار سلمى، وطالما نحن نعمل بالحجة، وطالما نحن نحاول أن نصل فى نهاية المطاف إلى قضية مشتركة، وإلا سنتنافر، لا يوجد أحد فى مصر لا يحب بلده ولا يريد مصلحة بلده، بل كل واحد له رأيه وأنا أحترمه".
وكان البرادعي قد تحدث في الجزء الاول من حديثه مع "الشروق" حول وجود الاقبلط في مجلس الشعب، "وتساءل المجلس به كم قبطيا؟، وقال: بالانتخاب يوجد نائب قبطى واحد، بينما الأقباط لا يقلون عن 8% من إجمالى الشعب، إذن هناك مشكلة".
وقال: للسيدات الآن 64 مقعدا، وللفلاحين 50 مقعدا، وللأقباط مقعد واحد، كل هذه مسائل ديماجوجية، ليست مبينة على تفكير عقلانى، ولذلك كل هذه الاعتبارات يجب وضعها فى بوتقة فى إطار لجنة تأسيسية تمثل جميع الشعب من الإسلام السياسى إلى الماركسيين، ونتفق كيف تتوافر مقومات المساواة والعدالة الاجتماعية فى دستورنا".
اضاف: الدستور الجديد لابد أن يحقق السلام الاجتماعى لكل طائفة: مسلم، قبطى، بهائى، طفل، إمرأة. لابد أن يثق الجميع بأن حقوقه مكفولة وأن الدولة تتعامل معه على قدم المساواة مع زملاء المواطنة".
وأضاف في حواره مع صحيفة الشروق المصرية بتاريخ 22 – 12 –2009: "كلنا نشأنا، مسيحى أو مسلم، على القيم المشتركة، الصدق، الأمانة، تقديس العمل، السماحة، التضامن الاجتماعى، المحبة، هذا كان الإسلام، لم تكن لدينا قيادة دينية تتكلم عن إرضاع الكبير، فى نفس الوقت الذي كانت تكرمنى فيه ملكة هولندا، ويجلس إلى جوارى عالم مصري كبير اسمه نصر حامد أبوزيد، اضطر إلى الخروج من مصر لأن القضاء دخل إلى قلبه ووجد أنه ليس مسلما، وغادر البلاد.. هذه كارثة".
وتابع: يقول الله تبارك وتعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، هذا هو الإسلام كما نعرفه، ويقول تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، هذا هو القرآن يوصينا بالكفار، فما بالنا بالمؤمنين؟"
ويرى البرادعي ، إن المصريين حولوا الدين إلى طقوس وفصلوا أنفسهم عن القيم وعن بقية العالم "اليوم حين يكون رجل مسلم اسمه محمد أو أحمد أو على، يتجنب ذكر اسمه، ويتعين عليه أن يقول أنا لا أنتمى إلى الجماعة الإرهابية.. أصبح الجميع ينظر إلينا نظرة ريبة وشك، لماذا؟ لأن العالم كله يرى صورة الإرهابيين ملثمين ويبررون أعمالهم بالإسلام، ويحتاج الأمر منك إلى سنوات بعد ثبات هذه الصورة فى أذهانهم لكى توضح لهم صورتك، وأن تثبت أن ليس كل المسلمين إرهابيين".
انتهت النصوص.
وقبل أن أسترسل فيما أريد قوله ، أقول إنني بعد قراءتي لكلامه على موقع محيط في ديسمبر الماضي ، اضطررت يومها لأن أكتب تعليقا سريعا عليه كما يلي وبعنوان : "البرادعي طلع مقلب في أمور كثيرة" ، قلت فيه :
"لأننا لم تتح لنا من قبل فرصة الاستماع أو القراءة بشيء من التفصيل للدكتور البرادعي لم نكن نعرف شيئا عن أفكاره وافترض الجميع أنه مادام قد تقلد منصبا دوليا فلابد بالضرورة أن يصلح لحكم مصر."

"وهذاالفرض غير صحيح بالنسبة له ولغيره، وعندما بدأ البرادعي يتكلم ويكشف عن آرائه توالت الصدمات. أنا لا أقول مثل ما يقوله كتبة الحكومة فأنا أعرف تدني مستواهم الفكري والثقافي وأنهم يكتبون بالريموت كنترول ولا أوافق على حملة الهجوم المبالغ فيها على الرجل وأنا بالمناسبة من معارضي النظام والمتطلعين لتغييره ولكنني لست من أنصار التغيير لمجرد التغيير ولكن لابد أن يكون التغيير لأفضل."

"وقد بدأت صدمتي في البرادعي قبل موضوع الترشح للرئاسة بمدة ، عندما حضر لمصر لتكريمه ومنحه قلادة النيل حيث ألقى يومها كلمة بالعربية ففوجئت به يقع في أخطاء لغوية فاحشة في الوقت الذي يتكلم فيه الإنجليزية بدرجة إتقان كبيرة ، فهذا أول ما جعله يسقط من نظري."

"والآن هو يتكلم فيما لا يفهمه ولا يحسنه ولا يكتفي بذلك بل يعايرنا جميعا بأننا لم نقرأ القرآن ولم نفهمه مثل سيادته ، لأنه من الخطأ من وجهة نظره أن ينص الدستور على جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع لأن القرآن يقول" وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" وسيادته فهم معنى الآية على أنه حث من الله تعالى لأهل الإنجيل ليس فقط على أن يتمسكوا بدينهم ولكن أيضا على البقاء على أحكامه ! والصحيح يا دكتور يا من تريد حكم مصر بهذه البساطة هو أن القرآن الكريم يستخدم هذا الأسلوب البلاغي للتعجيز اتساقا منه مع المبدأ الثابت في الكتاب كله بأن كتابهم الأصلي تعرض للتحريف من زيادة ونقصان ونسيان وضياع إلخ ، فهو هنا يتحداهم أن يحكموا بما في كتابهم الأصلي لأنه غير موجود أصلا ، والملفت هنا أن الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يستخدم كلمات محددة لا لبس فيها فهو لا يقول : يحكموا بما "عندهم" ولكن " بما أنزل الله فيه " أي بالنص الأصلي المنزل."

"فالمصيبة يا عمنا الدكتور أنك مش بس مش فاهم حاجة في الدين الذي تنتسب إليه لكن كمان عمال تعك وتسفه الآخرين وتعتقد حضرتك أنك الوحيد اللي جاب التايهة والآخرون كلهم لم يفهموا الإسلام والقرآن !"

"وهناك ملاحظات أخرى كثيرة تفيد أن هذا الرجل لو فرضنا جدلا أنه سيحكم مصر ستكون مصيبة البلد في رأيي أضعاف أضعاف ما ارتكبه النظام الحالي. الرجل بصراحة غير مقتع بالمرة ولو في الحد الأدنى وحيخلي البلد بظرميط مادامت ثقافته في بديهيات العقيدة التي ينتمي إليها بهذه الركاكة والسطحية وواضح أيضا أنه واخد في نفسه قلم كبير جدا بلا حيثيات ، وبعدين مفيش داعي للعنتريات والتمثيليات بتاعت أنه وقف ضد إسرائيل والكلام الكبير ده كله ، فالرجل يستحيل أن تبقيه واشنطن والغرب كل هذه المدد في منصبه إذا لم يكن يحقق مصالحهم. والكلام يطول ، لكن أنبه الذين مازالوا مفتونين به بأن يفيقوا ويفهموا الرجل صح لأنه طلع مقلب كبير جدا."

انتهى تعليقي القديم.

وأود أن أضيف أيضا هنا أن فهمه البائس للأسف للقرآن ( والذي يتضح لنا أنه يقرأه ويفهمه كما يقرأ صحيفة الصباح أو أخبار رويتر ! ، دون أدني مراعاة لفهم معاني المفردات ومقصود النصوص والسيرة وسائر علوم الإسلام ودون أن يهتدي بأي عالم أو مفكر ) أقول فهمه هذا المتدني جدا لمعاني الآيات يمتد لأمور أخرى لا يمكننا أن نعذره في الجهل بها ، وهو دكتور القانون ورجل الخارجية والدبلوماسية الخطير : وهو فهمه لمعنى الدولة !

يقول : وزارة الصناعة ليست مسلمة ؟! ووزارة الصحة ليس لها دين .

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !

عليه العوض ومنه العوض يا قوم !

هذا إذن هو فهم الرئيس المرشح - وربما يصبح الرئيس المنتخب - لمعني عبارة أو مصطلح أو مفهوم "دين الدولة". هذا هو فهم دكتور القانون الدولي ، والدبلوماسي العظيم ، ومدير وكالة دولية كبيرة ، وصاحب نوبل !

لا يا عمنا ، فعلا يا من صرت في نظر البعض سنهوري عصرك وأبو زهرة زمانك – من غير مناسبة لا مؤاخذة وبالمناسبة أقطع دراعي إذا كان الغرب المتحضر يعطي جائزة نوبل أو نوفل أو بسطاويسي حتى ، إلا لأحد قد فحصوه ومحصوه ودخلوا تلافيف تفكيره وفصصوا حياته ومواقفه واطمأنوا وحطوا في بطنهم شادر بطيخ صيفي انه "تمام" و"كده" و"ييجي منه" ! - ليس هناك وزارة صحة مسلمة ولا وزارة صناعة متدينة ، ولكن هناك من يدير هذه الوزارة أو تلك بقوانين ولوائح وأخلاق وآداب وقيم ملتزمة بالشريعة الإسلامية ، من باب الالتزام بالدستور. بمعنى أن وزارة الصحة مثلا لا تبيح الإجهاض في غير حالات الضرورة الصحية القصوى لأنها تلتزم الشريعة يا عمنا ، ولأن الدستور يجعل الشريعة مصدرا ومرجعا ، وهكذا ، فهي وزارة ليست في حاجة لأن تضع عمامة كبيرة على مقرها لكي تصير وزارة مسلمة ، ولكنها تنتمي لدولة لها مرجعية إسلامية راجعة أساسا إلى رضا الغالبية العظمى من الشعب الذي ارتضاها شريعة ومنهجا. أليست الديمقراطية حكم الشعب ؟ اسألوا الشعب. أليس التشريع جزءا مهما من عمل السلطة التشريعية ؟ طيب ، ألا تلتزم السلطة التشريعية ومعها القضائية والتنفيذية بأحكام الشريعة الإسلامية في كل قانون تتم صياغته أو إصداره أو تطبيقه أو الحكم به؟ ما الذي يدعو للسخرية هنا حتى نقول وزارة مسلمة ووزارة لها دين ؟

الدولة مفهوم غامض لدى دكتور القانون وهذا شيء يدعو للأسف.

إنه يضع نصب عينيه فقط ما تدعيه بعض النظم الغربية – وليس ما تطبقه حقيقة – من أنها دول لا دين لها وأن الأديان عندها جميعا تتساوى ، ومكانها دار العبادة ، والدولة تتخذ مسافة واحدة من جميع الأديان.

هذا بكش يا دكتور. هذه أونطة. هذا الذي يدعونه دجل وخداع وشغل التلات ورقات.

تعصبهم لأديانهم وضد الإسلام يجري في عروقهم ، واللي ما يشوفش من الغربال .. لا مؤاخذة يعني !

أبرز مثال فرنسا ، هل فرنسا حقا دولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان ؟! هل حربها الشرسة على الحجاب بالذات تعكس اي حيادية أو علمانية ؟!

ثم إنهم حتى إذا فعلوا ذلك في بلادهم فلأن لهم تجربة تاريخية مريرة مع تسلط الكنيسة قرونا طويلة أدت إلى ظلمات وتدهور ومظالم وتخلف علمي واستبداد بشع. مالنا نحن ومالهم يا عمنا ؟!

والصحيح يا دكتور أن الدولة التي لا دين لها لا توصف بأنها دولة "مدنية" ، لأن الدولة التي دينها الإسلام هي نفسها أيضا دولة "مدنية" ، ولكن الصحيح هو أن الدولة التي لا دين لها هي دولة "علمانية" والعلمانية مذهب له موقف سلبي من الدين وليس محايدا. والمرفوض فقط هو الدولة الثيوقراطية أي التي يحكمها كهنة ، وهؤلاء لا وجود لهم في الإسلام أصلا.

انتهى الدرس.

ومعظم الدول التي تضم غالبية مسلمة تنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة ، يعني ليست مصر فقط يا دكتور ، كما أن هناك بالمناسبة حوالي ست دول دينها الرسمي هو البوذية ، مثل بوتان وكمبوديا وتايلاند وسريلانكا ، لماذا لم تتحدث عن هؤلاء ، وهل أدى ذلك لتخلفهم ام أن معظمهم صاروا دولا متحضرة ومتقدمة أكثر منا ؟

ومن قال إن أخي القبطي لن يحصل على حقوقه إلا في دولة "منزوعة الإسلام" كما هو خلاصة كلام الدكتور ؟! أبدا والله لقد أفادتنا دراسات أساتذة لنا أن دستور 1923 الذي نص على أن دين الدولة الإسلام شارك في وضعه غير مسلمين. إن الإسلام وشريعته هما اللذان يحميان الأقليات وهما اللذان يجبران المسلم على البر بهم والقسط معهم ويعاقبه إذا ظلمهم.

الكلام يطول ، ولكنني أضيف أخيرا خاطرا جاء لي أخطر من كل ما سبق : ألا تحسون معي أن في الأمر رائحة غير مريحة ، وأنه من الغريب والمريب أن تبدو المسألة كلها من أولها لآخرها كده أنها تلقائية ؟! وها قد وقعنا جميعا في "الخية" كما نقع في كل مرة ، ويتضح لنا مؤخرا جدا للأسف – برضه في كل مرة – أنه كان سيناريو محكما ومدبرا بين أطراف كثيرة وأن كل شيء فيه كان مقصودا ! هناك شيء واحد فقط أحترمه في الدكتور البرادعي : أنه كان واضحا جدا في توصيل فهمه لنا عن الدين والإسلام والشريعة ورايه في المادة الثانية من الدستور

كده كل شيء على نور الآن . فليؤيده من شاء وليرفضه من شاء.
وإلى كل الذين اعتبروه "أمل الأمة" ، وبالذات من الإسلاميين أو المسلمين الذين يهمهم أمر الدين : تعيشون وتأخذون غيرها .. و لا أراكم الله "برادعي" في عزيز لديكم !